خدمة الـ Whatsapp لمتابعة الأخبار أول بأول

x اشترك

مسارات للحوار حول تتبع الاتصال والخصوصية

تقنيات تتبع المخالطين أداة مهمة في المعركة ضد كورونا

الدوحة - لوسيل

 أدى التفشي المفاجئ لجائحة فيروس كورونا وعمليات الإغلاق اللاحقة في جميع أنحاء العالم إلى استنفار جهود العلماء الدوليين والحكومات للعمل على مدار الساعة للعثور على استجابات سياسية، وحلول طبية وتكنولوجية مناسبة لهذه الأزمة. وبمراقبة الخصائص المعدية غير العادية لفيروس كوفيد-19 والنتائج المبكرة المأمولة التي تحققت، لا سيَّما في آسيا، فإن تقنيات تتبع مخالطي المرضى التي ظهرت على نطاق واسع كأداة ذات أهمية قصوى في المعركة الرامية لمواجهة هذا التهديد الصحي تُعدُ من أهم هذه الاستجابات.

 ويقول كل من الدكتور جابرييل أوليجيري الأستاذ مساعد بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، والدكتور سبيريدون باكيراس منصب أستاذ مشارك بالكلية، إن الهدف من تقنية تتبع مخالطي المرضى والتفاعل بين الأشخاص إلى التعرف المبكر على الحالات الجديدة المحتملة، وإخطارها بذلك، وفحصها، وحجرها صحيًا، وهو ما يحد من معدل انتشار الفيروس بين السكان. وتكتسي هذه التقنية أهمية أكبر في حالة فيروس كورونا، حيث لا تزال نسبة كبيرة من حاملي الفيروس عديمي الأعراض تمامًا، وبالتالي لا يخضعون للفحص أبدًا. وفي السيناريو الكلاسيكي للجائحة، حيث يكون الانتشار محدودًا جغرافيًا، يمكن إجراء تتبع المخالطة عبر فرق من المتخصصين في الرعاية الصحية، بما في ذلك مقابلة كل فرد مصاب حديثًا. ويُبَلِغ المرضى الذين خضعوا للمقابلات عن كل المخالطين المباشرين لهم خلال الفترة الزمنية السابقة، بحيث يمكن تعقبهم وإبلاغهم عن احتمال تعرضهم للعدوى، ثم إيداعهم في الحجر الصحي في النهاية. ومع ذلك، لا يمكن لمثل هذا النهج أن يتسع للتعامل مع المئات أو حتى الآلاف من الإصابات اليومية في جائحة عالمية دون الحاجة إلى قوة عاملة وموارد غير واقعية. بالمثل، من المستحيل عمليًا تتبع كل حالة محتملة، لأننا جميعًا نتواصل باستمرار مع الآخرين دون الانتباه بالضرورة، مثل ما يحدث في المتاجر أو مراكز التسوق.

تتبع الاتصال الرقمي

ولتحقيق هذه الغاية، اتضح أن الحل الأكثر فعالية هو تتبع الاتصال الرقمي. وتتميز تقنية تتبع جهات الاتصال الرقمية بأنها عملية تلقائية وشفافة تتتبع باستمرار جهات الاتصال الفعلية للمستخدم وموقعه. وتعمل هذه التقنية عبر تطبيق هاتف ذكي يعمل في الخلفية ويراقب مخالطة المستخدم لأشخاص آخرين، مستندًا إلى مجموعة من تقنيات الراديو، بينما يُستخدام البلوتوث للكشف عن اقتراب الشخص من الأجهزة الممكنة الأخرى في حدود 2 متر. وتُستخدم وظيفة نظام تحديد المواقع العالمي لتتبع وتوثيق تحركات المستخدم والموقع الجغرافي. وعندما يثبت إصابة مستخدم التطبيق بفيروس كورونا، تصل السلطات الصحية إلى بيانات سجل الهاتف، بحيث يمكن تتبع المخالطين المسجلين وإخطارهم.

ويجري الآن نشر تقنيات تتبع الاتصال الرقمي تدريجيًا في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، ويعتمد معظم هذه التقنيات تطبيقات تتبع طُوِّرَت محليًا. وقد طرحت فرنسا، مؤخرًا، الإصدار الأول من تطبيق التتبع الخاص بها؛ وستقتفي المملكة المتحدة وألمانيا أثرها قريبًا. وتشير عمليات المحاكاة التي أجرتها جامعة أكسفورد، على سبيل المثال، أنه لكي يحقق هذا النظام النجاح المرجو، سيتعين على حوالي 60 ٪ من السكان استخدامه. وفي ضوء ذلك، اختارت قطر أن تجعل تثبيت واستخدام تطبيق التتبع الخاص بها "احتراز" أمرًا إلزاميًا لمواطنيها والمقيمين فيها.

 ولتحديد تحديات الخصوصية المحتملة، من المهم مراعاة نوع المعلومات المسجَّلة من جهة، ومكان تخزين هذه المعلومات من جهة أخرى.

وقد يكون أكبر مصدر للقلق يصيب مستخدمي التطبيق بيانات الموقع التي يوفرها نظام تحديد المواقع العالمي، حيث يكشف من حيث المبدأ عن تحركات المستخدم على مدار اليوم. ورغم ذلك، تكون دقة قياسات هذا النظام محدودة نوعًا ما بالنسبة للتتبع الدقيق، خاصة في المناطق المغطاة. والغرض الفعلي من التطبيق، الذي يجمع بيانات منخفضة الدقة نسبيًا للموقع، هو في الغالب ذو طبيعة مكملة لوظائف البلوتوث الأكثر أهمية. ولا يعتمد تتبع المخالطين بتقنية البلوتوث على بيانات الموقع. وبدلاً من ذلك، يقوم كل جهاز بإرسال تحذير بشكل دوري يتلقاه المستخدم ويُسَجَل في قوائم جهات الاتصال للأجهزة القريبة المجهزة بنفس التطبيق. وعادةً ما تكون هذه الإنذارات عشوائية وتتغير بشكل متكرر، من أجل إخفاء هوية مستخدمي الهواتف المحمولة، وهو ما يجعل البلوتوث الميزة الرئيسية، والأقل تدخلًا في الواقع.

التركيبة المركزية

علاوة على ذلك، يمكن تنفيذ عملية تتبع المخالطين إما كحل مركزي أو لا مركزي. وفي التركيبة المركزية، تُنقل جميع سجلات الاتصال التي أنشأها البلوتوث، وبيانات نظام تحديد المواقع العالمي المكملة، وتُخزَّن مباشرة في قاعدة بيانات مركزية تُشغلها وتحميها الهيئات الصحية المعنية. وبالتالي، تسمح مجموعات البيانات التي يمكن الوصول إليها بسرعة باستخدام أقصر وقت رد فعل، بدايةً من الكشف إلى تتبع المخالطين، وإبلاغ جميع الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بفيروس كوفيد-19.

ويتطلب النهج اللامركزي البديل، على النحو الذي يُدرَس حاليًا في ألمانيا على سبيل المثال، أن يقوم كل هاتف ذكي بتخزين سجل الاتصال والاحتفاظ به. ورغم أن هذا النهج أفضل من منظور الخصوصية، إلا أن الشيء الأكثر أهمية هو أن تخزين مجموعات البيانات بطريقة لا مركزية ستجعل عملية الوصول إليها أبطأ كثيرًا، وهو ما سيؤخر وقت الاستجابة الحيوية عند حدوث العدوى.

ولا يوجد علاج ناجع لجميع المشاكل المرتبطة بهذه التقنية حتى الآن، وحتى في ظل التعاون الدولي بوتيرة ونطاق غير مسبوقين، فإن جميع الدول لا تزال تخوض مرحلة من التعلم والتحسين المستمر. وحتى في ظل إرسال الإنذارات مجهولة المصدر، ورغم وجود بنية تحتية متطورة للأمن السيبراني في قطر لحسن الحظ، قد يساهم تخزين جميع سجلات الاتصال في موقع مركزي في جعلها عرضة لخروقات الأمن السيبراني المتقدمة من الناحية النظرية. وبالمثل، فإن الحلول اللامركزية ليست مثالية كما يظهر الخطاب المتداول حاليًا في أوروبا، إذ يجب على الأفراد الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس الكشف عن الإنذارات التي تلقوها وسجلات الاتصال الخاصة بهم، وهو ما يتيح تتبع الحركات الأخيرة. ولتحقيق هذه الغاية، يعمل مختبر الابتكار في أبحاث الأمن السيبراني بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة على تطوير بروتوكولات لتتبع الاتصال تحمي خصوصية جميع الأفراد، على غرار النموذج الأولي لتطبيق "سبريد مي نوت". ويقدم فريق البحث أيضًا استشارات حول كيفية مساعدة الشفافية في فهم تتبع المخالطة الرقمية وقبولها، على سبيل المثال من خلال نشر تطبيقات مثل البرامج مفتوحة المصدر، وهو ما يسمح لخبراء الأمن السيبراني عالميًا بالتحقق من صحة خصائص الأمان والخصوصية.