أنا حمزة عجان. أنا لاجئ
في بداية مقالتي، أود أن أسلط الضوء على أن الكراهية والجهل يقتلان حتما كل شيء جميل في المجتمع الذي نعيش فيه؛ فبصفتي شخصًا يطرح أسئلة للرد على سبب وجود الكراهية في العالم، ولماذا يكره الشخص بشكل خاص الشخص الذي يختلف عنه، فقد قررت العمل في قضية اللاجئين للحصول على درجة الدكتوراه.
كما هو معروف أن اللاجئين هم من أضعف الفئات في المجتمع، فكنت أبحث أثناء دراستي درجة الدكتوراه حول كيفية إدماج اللاجئين في المجتمع، وكلما ألقيت نظرة على التقارير والبحوث التي تشير إلى المواقف العامة ضد اللاجئين؛ أرى نتائج مماثلة، يُظهر كل تقرير أو بحث تقريبًا أن الغالبية في بعض الدول المستقبلة للاجئين تعارض وجود اللاجئين في المجتمع لأسباب مختلفة، ولست في صدد مناقشة ذلك، لكنني سأضيف بعضها في نهاية بحثي لأولئك المهتمين بالقضية.
في هذه المقالة، أود أن أتحدث عن اللاجئ السوري حمزة عجان ابن ألـ 17 عاما والذي كان يعيش في تركيا منذ عام 2012، قبل أن يلقى حتفه على يد أربعة أشخاص بعد ضرب مبرح في الخامس عشر من تموز الماضي.
وفقا لاتفاقية اليونيسف بشأن حقوق الطفل، تنص المادة 1: «لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد بالطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق على الطفل».
إذا حمزة كان طفلاً عندما قتل بوحشية، ولو كان حيا لود أن يقول الكثير من الأشياء التي تم تجاهلها من قبل معظم وسائل الإعلام في تركيا.
اليوم، كإنسان يقف في صف أولئك الذين أجبروا على مغادرة منازلهم، يجب أن نقف مع الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز في المجتمع كبشر، وإلا فإن غياب العدل سيقتلنا جميعا يومًا ما، اعتقد أنه سيكون من الجيد أن نبدأ من المكان الذي انتهى به حمزة في تركيا، سأكتب فقط نيابة عن حمزة وبلسانه:
نعم انا حمزة عجان وانا من سوريا. كان عمري 8 سنوات فقط عندما كان الناس يحتجون بطريقة سلمية ضد الحكومة في بلدي (سوريا) في عام 2011، كنت أعيش مع عائلتي خلال تلك الفترة في إدلب، وهي مدينة في شمال غرب سوريا.
كنت سعيدا لأن لدي الكثير من الأصدقاء، وكنا نلعب يوميا في الشوارع، وكان لكل واحد منا حلم يسعى لتحقيقه في المستقبل، وكنا، في الغالب، نلعب إما «كرات الزجاج الصغيرة (القلول)» أو «الطميمة». كنا أيضًا نلعب كرة القدم كثيرًا.
في أوائل عام 2011، بدأت أرى أن بعض الناس يحتجون على الحكومة، ولقد كنت أشاهد هذا على شاشة التلفزيون كل يوم تقريبًا، شعرت أن هناك خطأ ما، وفي وقت لاحق، فهمت أن الناس كانوا يحتجون لأنه لم يكن لديهم حياة كريمة إنسانية.
كان المحتجون يبحثون عن رفاهية العيش وعن الحرية، واعتقدوا أنه من الممكن العيش في مجتمع تتاح فيه فرص المساواة بين البشر، وأنه من لا ضير من الاحتجاج إذا كانت هناك مشاكل كبيرة مثل التوزيع غير المتكافئ للدخل والفساد والظلم.
كان الناس عازمين على تغيير النظام، وبدأوا بالنزول إلى الشوارع، وهم يصرخون بصوت عالٍ مطالبين بالحرية والتغيير. ولقد كانت الاحتجاجات سلمية، حتى أن بعض المحتجين تظاهروا بالورود وقدموا زجاجات المياه للجنود في دمشق، عاصمة سوريا،إحدى أقدم المدن المأهولة العالم إلى اليوم.
بدلاً من الاستماع إلى مطالبهم، صُدم الناس عندما أطلقت الحكومة النار على المتظاهرين السلميين في عدة مدن، ثم بدأ كل شيء يتغير بشكل مدمر، ولم تتسامح الحكومة مع احتجاج سلمي يدعو إلى الحرية والعيش بكرامة، وقامت بنشر حواجز الطرق في كل مكان تقريبًا في محاولة للسيطرة على الناس.
في كل يوم، ارتفع عدد القتلى مع نزول المزيد من الناس إلى الشارع للاحتجاج على هذه الوحشية، واتسع مستوى الصراع في كل جزء من وطني، وتم تقسيم وتمييز المدن وحتى العائلات على أساس وجهات نظرهم وانتماءاتهم السياسية، فتحول هذا الاحتجاج إلى عنف دمر مدينتي وأحلامي.
وفي كل يوم دمر القتال والقصف العديد من المنازل، ووصل هذا العنف إلى مدينتي الأم، إدلب، فتحول الشارع الذي كنت ألعب فيه مع أصدقائي إلى ساحة حرب دموية، ورأيت مدينتي تحترق يوما بعد يوم، ولم تعد هناك أي معالم للحياة فغادر معظم الناس منازلهم لمجرد الحفاظ على حياتهم والهرب من الموت، وكلما ذهبت إلى الفراش، تساءلت عما إذا كنت سأستيقظ في صباح اليوم التالي أم لا، شعرت أن الموت صار وشيكا.
تركت أنا وعائلتي منزلنا للانتقال إلى مكان آخر حيث يمكن أن نحصل على حياة مثل الناس العاديين، ذهبنا إلى تركيا وهي إحدى الدول المجاورة لسوريا، وما زلت أتذكر أن الكثير من الناس مثلنا كانوا يسيرون على الأقدام للوصول إلى تركيا، التي وصلناها بعد مسير لوقت طويل.
اعتقدت أن جميع الناس في تركيا سيرحبون بنا، وسيشعرون بالتعاطف معنا حيث اضطررنا لمغادرة منازلنا، وكنت عندما كنت أرى الصور والأخبار عنا في كل مكان؛ اعتقدت أن جميع الناس هنا يهتمون بنا، كنت أرى كل يوم تقريباً على شاشة التلفزيون، رجال السياسة بدلات سوداء يعرض صورنا البائسة.
كنت أدعو الله أن يمنحنا القوة لنرد الجميل لهؤلاء الناس الذين كانوا يتحدثون عنا ويهتمون بنا، لم أستطع فهم ما يقوله الناس لنا لأنني لم أكن أعرف التركية في البداية، لكنني كنت متأكدا من أن كل هؤلاء الناس ووسائل الإعلام كانوا يقولون الحقيقة عنا.
بعد فترة من اقامتي في اللجوء، وعندما بدأت أتعلم كيف أتكلم التركية، أدركت أن هناك خطأ ما في المجتمع، أدركت أن هناك أناسا كانوا يهينوننا.
وكانت وسائل اعلام تظهر صورتنا لزيادة التوتر بيننا وبين الأتراك، ومن ثم، علمت أننا ملامون على كل شيء سيئ في تركيا، حتى أن بعض الناس كانوا يقولون بأن الأوضاع بخير في سوريا، لكننا هربنا من بلدنا دونما سبب.
تلقى الكثير من السوريين الضرب من قبل بعض الناس دون أي سبب لمجرد أنهم سوريون! فلم يكن لدينا ما يكفي من الحماية القانونية، وصدمت للمرة الثانية في حياتي القصيرة، بعد صدمتي الأولى حين أرغمت على ترك منزلي، لم أكن أعرف ماذا أفعل أو إلى أين أذهب بعد الصدمة الثانية، يبدو أنه لم يكن لدي مكان لأعيش فيه بحرية وكرامة كإنسان.
وجدت وظيفة في السوق في الهواء الطلق في بورصة، حيث عشت مع والدي، واضطررت للعمل ومساعدته، كنت أرغب في الحصول على وظيفة أفضل ولكن لم يعد لدي الترف لمتابعة حلمي بعد الآن، أردت فقط التركيز على حياتي الجديدة، وقد تجاهلت الناس الذين كانوا يعاملوننا بعنصرية لمجرد أننا سوريون.
ولكن وبرغم كل ما أجبرت نفسي على تحمله من ظلم، لم أستطع أن أتحمل حين رأيت بعض الأشخاص يضايقون امرأة في 15 تموز 2020، فعندما رأيت بعض العنصريين الذين يعملون في السوق يضايقون ويهينون امرأة، جن جنوني، وذهبت للحديث معهم وإيقافهم عن مضايقة المرأة.
لقد كانت تلك السيدة لاجئة سورية مثلي، لكنني لم أنتبه لجنسيتها، فحتى لو لم تكن سورية مثلي لاتخذت نفس الموقف، بدأ هؤلاء الأشخاص الأربعة بضربي بشدة بدلاً من الاستماع إلي، ولقد حاولت عدة مرات فقط أن أخبرهم أنه لا يمكنك معاملة انسانة بهذه الطريقة، وبرغم ذلك، لم يستمعوا إلي أبدا،واستمروا بضربي حتى فقدت الوعي تماما.
اتصل الناس من حولي بسيارة الإسعاف وأخذوني إلى المستشفى، حيث كنت أعاني من نزيف حاد في الدماغ بسبب شدة الضرب الذي تعرضت له، كنت صغيرا جدا ولم يكن لدي القوة الكافية للدفاع عن نفسي، ولقد فات الأوان على كل شيء، لقد فقدت أملي بالمستقبل بالفعل أثناء وجودي في سوريا، وهنا في تركيا فقدت حياتي.
نعم، قد يكون الامر مختلفًا إذا استمع الناس لبعضهم بعضا بدلاً من القتال، نعم، كان سيكون مختلفًا لو حاولت الحكومة السورية الاستماع إلى المتظاهرين في البداية، لكنهم جميعا فشلوا في الحوار، لو نجحوا مرة لكان الأمر مختلفًا، ولو استمع إلي هؤلاء الأشخاص الأربعة، لما كان الذي كان، هل تعلمون؟ كنت ما زلت أستطيع أن أعيش بينكم، على الرغم من معاملتكم غير الإنسانية لي.
أنا حمزة، كان عمري 17 عامًا فقط بينما قتلت على يد أربعة أشخاص بالضرب في الخامس عشر من تموز عام 2020. لدي رجاء واحد منكم بعد أن فقد كل شيء وفقدت حياتي أيضا، أرجوكم أن تحاولوا الاستماع لبعضكم بعضا بدلاً من القتال. وإلا فإن هذا الطريق، طريق الكراهية والجهل سوف يقتل كل شيء يومًا ما.
* باحث تركي يقيم في الأردن حاليا